خطبة بعنوان : “” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ “، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 20 من جمادي الأولى 1438هـ، الموافق 17 فبراير 2017م
خطبة بعنوان : “” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ “، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 20 من جمادي الأولى 1438هـ، الموافق 17 فبراير 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين .. يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ..أمان من خافك وملاذ من لجأ إليك فأنت القائل :” وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة”( ابن حبان والبزار والبيهقي).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين أمر عباده بالخوف منه وجعله شرطاً للإيمان به سبحانه فقال :” إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” (آل عمران: 175). وقال مناديا ملائكته يا ملائكتي :”أخرجوا من النار من ذكرني يوماً أو خافني في مقام “( الترمذي).
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه أفضل من خاف ربه وخشيه في مقامه القائل :” لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله”(الترمذي). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد فيقول الله تعالى: “وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ”(الرحمن:46( .
أخوة الإيمان والإسلام :
الله سبحانه وتعالى يخبر إخباراً يَعِد به من خاف مقام ربه بأن له جنتين وهاتان الجنتان بين الله تعالى ما فيهما من النعيم المقيم من المأكول والمشروب والمنكوح ترغيباً لخوف الإنسان مقام ربه أي لخوفه من المقام الذي يقف فيه بين يدي الله عز وجل هذا الخوف الذي يوجب له الاستقامة على دين الله وعبادة الله تعالى حق عبادته لأن من خاف الله عز وجل راقبه وحذر من معاصيه والتزم بطاعته وثواب من أطاع الله سبحانه وتعالى وأتقاه ثوابه الجنة كما قال الله تبارك وتعالى :”وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”(آل عمران/133-134). إلى آخر ما ذكر الله من أوصافهم ..
فضيلة الخوف:
أيها الناس :أمر الله عباده بالخوف منه ، وجعله شرطاً للإيمان به سبحانه فقال :” إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ” (آل عمران: 175). ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله : ” إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ” إلى أن قال : “أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ” (المؤمنون/ 57-61) ، وبين سبحانه ما أعده الله للخائفين في الآخرة فقال :” ولمن خاف مقام ربه جنتان ” (الرحمن/46).وبين أن الجنة مصير من خافه واتقاه فقال تعالي :”وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”(النازعات /). وهذا الحديث العظيم يبين منزلة الخوف من الله وأهميتها ، وأنها من أجل المنازل وأنفعها للعبد ، ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر..
أيها الناس :”وعلى قدر العلم والمعرفة بالله يكون الخوف والخشية منه ، قال سبحانه :” إنما يخشى الله من عباده العلماء “(فاطر/ 28) ، ولهذا كان نبينا – صلي الله عليه وسلم أعرف الأمة بالله جل وعلا وأخشاها له كما جاء في الحديث وقال:” لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيراً ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله”(الترمذي). ولما سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلي الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : ” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة “(المؤمنون: 60). ، هل هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ” لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم “( الترمذي). قال الحسن : “عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم ، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا ” .
وروت عائشة رضي الله عنها :”أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان إذا تغير الهواء وهبت ريح عاصفة يتغير وجهه فيقول ويتردد في الحجرة ويدخل ويخرج كل ذلك خوفاً من عذاب الله””( متفق عليه).
حقيقة الخوف :
أخوة الإيمان : الخوف من أجلّ منازل العبودية و أنفعها و هي فرض على كل أحد . قال تعالى :” فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين “، فالخوف شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب امتدت فروعها إلى الجوارح فأتت أكلها بإذن ربها وأثمرت عملا صالحا وقولاً حسنا وسلوكاً قويما وفعلاً كريما فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين.
. والخوف هو السوط الذي يسوق النفس إلى الله والدار الآخرة ، وبدونه تركن النفس إلى الدعة والأمن وترك العمل اتكالاً على عفو الله ورحمته ، فإن الآمن لا يعمل ، ولا يمكن أن يجتهد في العمل إلا من أقلقه الخوف وأزعجه ، ولهذا قال من قال من السلف:” الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه ، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب ” وقال آخرون : “الناس على الطريق ما لم يزل الخوف عنهم ، فإذا زال الخوف ضلوا الطريق ” .
قال أحد الصالحين :” “ومن منازل :”إياك نعبد وإياك نستعين” منزلة الخوف، وهي من أجلِّ منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد”.وقال الفضيل :” من خاف الله دله الخوف على كل خير.واعلم أن الخوف إذا فارق القلب خَرِب، وتجرأ صاحبه على المعاصي”.
وقال ذو النون:” الناس على الطريق ما لم يَزُل عنهم الخوف ، فإذا زال الخوف ضلّوا الطريق”.
والخوف ليس مقصودا لذاته ، بل هو وسيلة لغيره ، ولهذا يزول بزوال المخوف ، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل ، قال بعض الحكماء : ” ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه ” ، ومنه قدر واجب ومستحب ، فالواجب منه ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم ، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل ، والبعد عن المكروهات ، وعدم التوسع في فضول المباحات ، كان ذلك مستحباً ، فإن زاد على ذلك ، بحيث أدى إلى اليأس والقنوط والمرض ، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف المحُرَّم .
الجمع بين الخوف والرجاء :
لا بد للعبد من الجمع بين هذه الأركان الثلاثة ، لأن عبادة الله بالخوف وحده طريقة الخوارج ؛فهم لا يجمعون إليه الحب و الرجاء ؛ و لهذا لا يجدون للعبادة لذة و إليها رغبة ، و هذا يورث اليأس و القنوط من رحمة الله و غايته إساءة الظن بالله و الكفر به سبحانه . و عبادة الله بالرجاء و حده طريقة المرجئة الذين وقعوا في الغرور و الأماني الباطلة و ترك العمل الصالح و غايته الخروج من الملة ، و عبادة الله بالحب وحده طريقة غلاة الصوفية الذين يقولون : نعبد الله لا خوفاً من ناره ، و لا طمعاً في جنته ، و إنما حباً لذاته و هذه طريقة فاسدة لها آثار وخيمة منها الأمن من مكر الله وغايته الزندقة و الخروج من الدين.
قال بعض السلف كلمة مشهورة وهي :”من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق .و من عبده بالخوف وحده فهو حروري – أي خارجي – و من عبده بالرجاء و حده فهو مرجيء ، ومن عبده بالخوف و الحب و الرجاء فهو مؤمن موحد .”
*أنواع الخوف من حيث الحُكم:الخوف المحمود الصادق :” هو ما حال بين صاحبه و بين محارم الله عز و جلّ ، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس و القنوط قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله”.الخوف الواجب :” هو ما حمل على فعل الواجبات و ترك المحرمات”الخوف المستحب :” هو ما حمل على فعل المستحبات و ترك المكروهات” .
*من الأسباب التي تورث الخوف من الله عز و جل:
إجلال الله و تعظيمه و معرفة حقارة النفس وخشية التقصير في الطاعة و التقصير في المعصية .وزيارة المرضى و المصابين و المقابر .وتذكر أن الله شديد العقاب و إذا أخذ الله الظالم لم يفلته .تذكر الموت و ما فيه . وملاحظة الله و مراقبته .وتذكر الخاتمة .تدبر آيات القرآن الكريم, .المحافظ على الفرائض و التزود من النوافل و ملازمة الذكر ومجالسة الصالحين والاستماع لنصائحهم.
*أثر الخوف في حياتنا الدنيوية :
أيها الناس :
إن الله خلق الخلق؛ ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه؛ ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه؛ ليتَّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر – سبحانه وتعالى – في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه..
عباد الله :إن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين؛ حتى يلقى الله – تعالى – الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.
ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأُمَّته عن هذين الأمرين؛ لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نُصْب عينيه، فلا يغفل عنهما؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم-:دخل علي شاب وهو يعالج سكرات الموت فقال كيف تجدك قال: أرجو الله يا رسول الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم: “لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنه مما يخاف”( الترمذي، وابن ماجه). ولقد ذكر الله – تعالى – في كتابه آيات كثيرة تدل على عِظَم شأن الخوف، وأنه منزلة لازمة للمؤمن في حياته الدنيا؛ لكي يصل إلى رضا الله – تعالى – وجنته.
ولقد كان خوف إمام المرسلين، وقدوة العالمين نبيِّنا محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – عبرة للمسلمين جميعًا؛ كي يتعلموا منه، ويأخذوا حذرهم من الغفلة والإعراض عن الله، وهو مَن هو بأبي هو وأمي صلَّى الله عليه وسلَّم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون؛ أطت السماء وحُقَّ لها أن تئط، والذي نفسي بيده، ما فيها موضع أربعة أصابع، إلا وملك واضع جبهته؛ ساجد لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله”، قال أبو ذر: “يا ليتني كنت شجرة تعضد”؛(أحمد والترمذي).
الخوف من الله: تنمية للبلاد والعباد
أخوة الإيمان والإسلام
إنَّ المديرَ في إدارته، والمهندِسَ في مكتبِه، والمبَرْمِج في برمَجته، والمدرِّس في مدرسته، والداعية في مسجده والعامِلَ في معملِه، والشرطيَّ في مخفرِه، والقاضيَ في محكَمَتِه، والصحفيَّ في جريدته، والكاتبَ في كتاباته، والطبيب في عيادته ،والتاجر في متجره .. عمومًا: كلّ مسئول من موقِع مهمَّته؛ كما قال النَّبيُّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم:” ألا كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسئول عن رعيَّتِه، فالأميرُ الذي على النَّاس راعٍ، وهو مسئول عن رعيَّته، والرجُل راعٍ على أهل بيْتِه، وهو مسئول عنْهم، والمرأةُ راعية على بيْتِ بعْلِها وولَدِه، وهي مسئولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيِّده، وهو مسئول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ ومسئول عن رعيَّته”( مسلم).
كلٌّ في عملِه، لوِ استحضرنا مُراقبةَ الله وعظَمَتَه وجلالَه، وقُدرتَه سبحانه واستحضرنا النفس اللوامة التي تلوم صاحبها علي تقصيره وعدم خوفه من الله واستحضرنا مقام الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” ولو علمنا أن الله عاجلاً أم أجلاً يقتصَّ من عبْدِه الخائن ، من جرَّاء عملٍ يُؤْذي ويهدِّد أمْنَ بلدِه الاقتِصاديّ والاجتِماعي والسياسي، لتحقَّقتْ رفاهية البُلدان، وانتشر العدْل، وسادَ تكافُؤُ الفُرَص، وقلَّت البطالة التي تنهش في فلذات أكْباد أبناء هذه الأُمَّة.
عباد الله :يُخطئ – وربِّ الكعبة – مَن يظنُّ أنَّ القوانين وحدَها هي الزَّاجِرة والرَّادِعة لكلِّ المُخالفات، هل تَمكَّنتْ من قطْعِ الطَّريق على الرَّاشي والمُرْتشي؟! هل منعتِ الزَّانيَ من الزِّنا؟! هلْ منعتِ الفَساد الإداري (البيروقراطيَّة)؟! هل حدَّت من حوادث السَّير؟! هل منَعَتِ الغِشَّ في الأسواق والمؤسَّسات؟! هل قلَّصتْ من عدد الجرائم؟!
كثيرةٌ هي التَّقارير الدَّولية، التي تُرْفَع كلَّ شهْرٍ وكلَّ سنة؛ لقياس مدى تخلُّف وتقدُّم البلْدان والسَّعْي لتنمِيَتها؛ ففي بداية الخمسينيَّات تَمَّ اعتِماد مِعْيار الدَّخْل الفَرْدِي، وفي السبعينيَّات تبنَّت منظَّمة الأُمَم المتَّحدة مِعْيَار إشْباع الحاجيات الأساسيَّة، إلى أن اكتشف المفكِّر الاقتِصادي الهندي “أمارتيا إسين” ما يسمَّى بِمؤشِّر التنمية البشريَّة، الذي يمزج بين ثلاثةِ مستويات أساسيَّة: مستوى المعرفة (الذي يمثل نسبة الأمَّة، نسبة التمدرس)، ومستوى الدَّخْل (الذي يمثل معدَّل النَّاتج الداخلي لبلدٍ معين)، ومستوى الصِّحَّة (الذي يمثِّل معدل أمدَ الحياة لمجتمع معين)، لكن أين التنمية الربانيَّة؟! لمَ الجري وراء السراب؟!
ونقول :” جميلٌ ما قام به الغَرْبُ في مَجال العُمران، لا يُنْكِر ذلك إلا جاحد، لكن – أخي المسلم – إنَّ كلَّ ذلك، في غياب البعد الإيماني الأخلاقي، والخوف من الله سبحانه المتصرِّف في هذا الكون – يظلُّ استدراجًا؛ فقد قال عليْه صلي الله عليه وسلم :” إذا رأيتَ اللهَ تعالى يعطي العبدَ من الدنيا ما يُحِبُّ، وهو مقيم على معاصيه، فإنَّما ذلك منه استِدراج ثم تلي قول المولي عز وجل:” فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ” (الأنعام/ 44)(أحمدُ بإسنادٍ حسن).
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه
قاعدة عظيمة وجليلة لِمن فهِمَها وطبَّقها،والعِوَض من الله أنواعٌ مختلفة،وأجلُّ ما يعوّض به: الأنس بالله،ومحبَّته،وطمأنينة القَلْب بذِكْره،وقوَّته،ونشاطه،ورضاه عن ربِّه تبارك وتعالى مع ما يلقاه من جزاءٍ في هذه الدنيا يغدق عليه الخيرات ومع ما ينتظِره من الجزاء الأوفى في العُقْبى.فحريٌّ بالعاقل الحازم، أن يتبصَّر في الأمور، وينظُر في العواقب، وألا يؤْثِرَ اللَّذَّة الحاضرة الفانية، التي أنعم الله بِها على أهْلِ الباطل من الغرب الحاقد على ديننا وعقيدتنا، على اللَّذَّة الآجلة الدَّائمة الباقية، البدارَ البدارَ.
أثر الخوف في حياتنا االدنيوية والأخروية :
إن الخوف من الله له فوائد كثيرة يعود أثرها علي المؤمن في الدنيا وفي الآخرة منها:
*منزلة لازمة للمؤمن في حياته الدنيا، لكي يصل إلى رضا الله سبحانه والفوز بالجنة والنجاة من النار وهو سبب لسعادة العبد في الدارين.
أما في الدنيا: *
فالخوف من الله دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. والخوف من الله يثمر محبة الله وطاعته.
*وهو صفاء القلب وطهارة النفس. وهو سبب لهداية القلب والخوف من الله يبعد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والسيئات والخوف من الله يجعل الإنسان يخلص عمله لله – تعالى – وألا يضيعه بالترك أو المعصية. والخوف من الله يورث المسلم الشفقة على الخلق.ويحمل الإنسان المسلم على التخلُّق بالأخلاق الحسنة، وتجنُّب الكِبْر والعُجْب. يزيد الإيمان والطمأنينة، حيث إذا حصل الموعود وثق المخلوق أكثر، :”بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي”) البقرة /260).
* يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه وعدم طلب المقابل في الدنيا فلا ينقص الأجر في الآخرة.
*يصبح الإنسان ممدوحًا مثنى عليه ويكفيه فخرًا أن يدخل في أصحاب الأسماء والألقاب الشريفة: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”( الأحزاب/ 35).
وفي الآخرة :
يجعل الإنسان في ظل عرش الرحمن يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ”( البخاري ومسلم).
من أسباب المغفرة. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ، رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ”( البخاري، باب الخوف من الله).
يؤدي إلى الجنة. فعَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ فَقَدْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ”( الحاكم).
يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة.والأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، قَالَ: “وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”( ابن حبان، وابن عساكر).
- الرضا من الله سبحانه، “رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ”( البينة).
صور خوف الصحابة والسلف الصالح من الله :
ولو تأملت أحوال الصحابة والسلف والصالحين من هذه الأمة لوجدتهم في غاية العمل مع الخوف ، وقد روي عنهم أحوال عجيبة تدل على مدى خوفهم وخشيتهم لله عز وجل مع شدة اجتهادهم وتعبدهم .
ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغًا عظيمًا في هذا الباب من شدة خوفهم من الله – تعالى
فهذا الصدِّيق رضي الله عنه يقول : ” وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن ” ، وكان أسيفاً كثير البكاء ، وكان يقول : ” ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ” ، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل ، وكان عمر رضي الله عنه يسقط مغشياً عليه إذا سمع الآية من القرآن ، فيعوده الناس أياماً لا يدرون ما به ، وما هو إلا الخوف ، وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء وقال: “لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو”؛ “التخويف من النار”؛ فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بالجنة يقول إنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل.ورُوي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال: “كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: ضع رأسي، قال: فوضعته على الأرض، فقال: “ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكى حتى تبتل لحيته ، ويقول : ” لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى آيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى آيتهما أصير ”
ورُوي أن أبا هريرة – رضي الله عنه – بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: “أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقِلَّة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي”. ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا.
ورُوي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل، يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا”، ولو نظر كل منَّا لنفسه وحاسبها، لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.
ورُوي أن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا! بل يدخل الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وتلي قول الله تعالي:” إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ “(المؤمنون/ 57 – 61).
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن التقوى طريق النجاة والفوز بدار النعيم؛ ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “(الأحزاب: 70 – 71).
فالتقوى هي التي تُسَيِّر العبد إلى الجنة، فتعينه على كل خير، وتصده عن كل شر، وتأخذ بيده إلى فضائل الأعمال وأحسنها، وتمنعه من قبائحها وسيئها، فهي النجاة لكل من تمسك بها في الدنيا، وهي خير زاد لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها.وكما عرفها الإمام علي:” هي العمل بالتنزيل و الخوف من الجليل..والرضا بالقليل الاستعداد بيوم الرحيل“
عباد الله :
إن الخوف من الله درجة عظيمة تدل على قوة الإيمان، وها هو الحسن البصري – رحمه الله – يقول: “إن المؤمنين قوم ذلَّت – والله – منهم الأسماع والأبصار والأبدان؛ حتى حسبهم الجاهل مرضى، وهم – والله – أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: ” وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ “(فاطر / 34)، والله لقد كابدوا في الدنيا حزنًا شديدًا، وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم”.وعن عمر بن عبدالعزيز، قال: “مَن خاف الله، أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله، خاف من كل شيء”.
وقال إبراهيم التيمي: ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: ” وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ “(فاطر / 34).، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: ” إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ “(الطور/ 26).
وروى حفص بن عمر، قال: بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: “أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي”.وقال يزيد بن حوشب: “ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبدالعزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما”.وقال أبو سليمان الداراني: “أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله – عزَّ وجلَّ – وكل قلب ليس فيه خوف، فهو قلب خرب”.
وفي عهد عمر بن الخطاب :لمَّا نهى عن خلْطِ اللَّبن بالماء، وخرج ذات ليلةٍ في حواشي المدينة، وأسند ظهْرَهُ إلى جدارٍ ليرْتاح، فإذا بامرأةٍ تقول لابنتها: ألا تَمْذُقين اللَّبنَ بالماء؟ فقالت الجارية: كيف أمذُقُ وقد نَهى أميرُ المؤمنين عن المذق؟! فقالت الأم: فما يُدْرِي أميرَ المؤمنين؟ فقالت الجارية: إن كان عُمر لا يعلمُه فإلهُ عمر يعلَم، ما كنت لأفعله وقد نَهى عنه. فوقعتْ مقالتُها من عمر رضي الله عنه فلمَّا أصبح دعا عاصمًا ابنَه فوصفها له ومكانَها، وقال: اذهب يا بنَيَّ فتزوَّجْها، فتزوَّجها عاصمُ بن عُمر، فولدتْ له بنتًا فتزوَّجَها عبدالعزيز بن مَرْوان بن الحَكَم، فأتتْ بِعُمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه.. انظروا معي – – إلى هذا الزَّمان الَّذي كثُر فيه التَّدليس والغِشُّ في الأَسواق، وَما يتْبَع ذلك من مُضارباتٍ اقتصاديَّة تُهدِّد الاقتِصادَ المحلِّي لبلدان العالم الإسلامي؛ وبالتَّالي تَجعلُه لقمةً سائغة لشرِكات النَّهْب العالميَّة دون وازع ديني ودون رقيب ودون ضمير ودون خوف من الله ..وإلي الله المشتكي..
أخي المسلم إليك هذه القصة التي تدمع لها العيون وتخشع منها القلوب :” قال نافع: خرجت مع ابْنِ عُمر في بعض نواحي المدينة، ومعه أصحابٌ له، فوضعوا سُفرةً، فمرَّ بِهم راعٍ، فقال له عبدالله: هلمَّ يا راعي، فأصِبْ من هذه السُّفرة. فقال: إنِّي صائم.فقال له عبدالله: في مثلِ هذا اليومِ الشَّديد حرُّه، وأنت في هذه الشِّعاب في آثارِ هذِه الغنَم، وبين الجبال ترعى هذه الغنم، وأنت صائم!فقال الراعي: أُبادر أيَّامي الخالية، فعجِب ابنُ عمر
وقال: هل لك أن تبيعَنا شاةً من غنمِك نجتَزِرُها، ونُطْعِمك من لَحمها ما تفطِرُ عليه، ونعطيك ثَمنَها؟ قال: إنَّها ليستْ لي، إنَّها لمولاي.قال: فما عسيْتَ أن يقول لكَ مولاك إن قُلْتَ: أكلها الذئب؟ فمضى الرَّاعي وهو رافعٌ إصبعَه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟ قال: فلمْ يزل ابنُ عُمر يقول: قال الراعي: فأين الله.فما عدا أن قدِم المدينةَ، فبعث إلى سيِّده فاشترى منه الرَّاعي والغنم، فأعتق الرَّاعيَ، ووهبَ له الغَنم – رحِمه الله. (صفة الصفوة:2 / 188). وهنا درسٌ عظيمُ الأثَر لِمَنْ كان له قلبٌ أو ألقى السَّمع وهُو شهيد، وهو تنمِية الصِّلة بالله وخشْيَته في الغَيْبِ والشَّهادة، وغرْس رُوح المراقبة في النُّفوس، ولله دَرُّ الشَّاعر الذي قال: إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ.. خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ.. وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفَلُ سَاعَةً.. وَلا أَنَّ مَا تُخْفِي عَلَيْهِ يَغِيبُ.
عباد الله :احرصوا – بارك الله – فيكم على الخوف من الله، فمن خافه واتقاه، رضي عنه وأرضاه وأنجاه من سكرات الموت، وعذاب القبر، وكربات يوم العرض.واعلموا أن الدنيا أيام قليلة، وأن من خاف ربه حسن عمله، فاتقوا الله وتزودوا للقاء الله، واحذروا من الغفلة والركون إلى الدنيا، وكثرة المظالم؛ فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.